على الرغم من التغطية الإعلامية للعديد من الدراسات التي يتم فيها تزوير البيانات وكذلك فيما يخص القضايا الأخلاقية، نادرا ما يتم إرسال العلماء إلى السجن في أعقاب هذه المخالفات. لكن محكمة اتحادية في دي موين - ايوا أرسلت الأسبوع الماضي باحثا لخمس سنوات سجن بتهمة التزوير والحصول على الأموال عبر الاحتيال لصالح ابحاث قام بتحريف نتائجها.
الباحث هو الدكتور دونغ بيو هان (Dong-Pyou Han)، وهو من مواليد كوريا الجنوبية، حيث تم إرساله لـ 57 شهرا (4 سنوات و 9 أشهر) في السجن وألزم كذلك بإعادة 7.2 مليون دولار للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة (NIH ) - المال الذي تلقاه عمليا بالغش كمنحة بحثية. هذا الحكم بالسجن يكاد يصل إلى أقصى حدود العقاب (5 سنوات)، القائم على مثل هذه المخالفات في الولايات المتحدة.
وجد الدكتور هان مذنب بالتزوير، التحريف، إشاعة الأكاذيب وتلفيق البيانات في سياق تجارب اجراها على تركيبة لقاح للإيدز. كما تقرر أيضا، أنه بعد ثلاث سنوات من إطلاق سراحه من السجن، ستكون تحت إشراف مراقب سلوك. هذا وقد قضى العقاب عمليا على حظوظه في الحصول على وظيفة في المجال الذي عمل فيه. وتشير التقديرات إلى أنه سيسلم الى سلطات الهجرة الامريكية لترحيله من البلاد. هان هو مطلق ، ولديه طفلين يحملون الجنسية الأمريكية، وهو يحمل الإقامة الدائمة.
لقيت قضية هان الكثير من الاهتمام في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، عندما تم الكشف عن المزاعم ضده في عام 2013، أقيل من منصبه في الجامعة. وقد كشف التحقيق أنه قام بتزييف وتلفيق النتائج المرتبطة بعدة تجارب لمركب لقاح ضد الإيدز، والتي أجريت بواسطة منح بحثية سخية من الحكومة الأمريكية (بواسطة NIH).
واكتشف أنه في بعض الحالات قام بخلط عينات دم مأخوذة من الأرانب بالأجسام المضادة البشرية لفيروس نقص المناعة البشرية -HIV,، بحيث يبدو كما لو أن اللقاح المدمج أدى بحيوانات المختبر بتطوير لقاح فعال ضد فيروس نقص المناعة البشرية. وقال في رسالة إلى الجامعة اعترف فيها بأفعاله (حتى قبل استخلاص استنتاجات الانضباط ضده)،أنه نادم على فعله، وقد أفاد أنه بدأ بحيلة الخداع للتستر على خلطه لبعض عينات الدم عن طريق الخطأ، قبلها ببضع سنوات.
المكتب الاتحادي للنزاهة في مجال الأبحلث (ORI)، الذي يجري التحقيقات السرية في كل حالة يشتبه فيها بسلوك غير لائق تنطوي على المنح المقدمة من المعاهد الوطنية للصحة NIH، حجب إمكانيات هان من الحصول على المنح الفيدرالية لمدة ثلاث سنوات وهو الحد الأقصى للعقوبة التي تفرض عادة على الباحثين الشباب لإهمالهم أو عدم نزاهتهم.
وقد كان من شأن القضية أن تنتهي ربما بهذه العقوبة، ولكنها استقطبت انتباه السناتور الجمهوري تشارلز غراسلي في ولاية ايوا، الذي يملك تاريخا طويلا في التحقيقات بشأن السلوك غير اللائق في مجالات ابحاث الطب الحيوي .
كان اعتراض عضو مجلس الشيوخ على فرض "عقاب خفيف للغاية" لطبيب وباحث قام عن قصد بتخريب تجربة علمية للحصول عبر النصب على ملايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب، الذي مول في الواقع دراسات وهمية ". حيث توجه غراسلي في فبراير إلى ORI، وطالب برفع العقوبة. وكان يحق للإدارة أن تفرض حظرا مدى الحياة على تلقي المنح، ولكن قرر رؤسائها في ذلك الحين أن يتم حفظ هذه العقوبة الشديدة فقط للحالات المخزية والمشينة بشمل متطرف - وهي تلك التي تشكل خطرا على الأشخاص، نتيجة للتجارب السريرية.
في معظم الحالات، شرح الخبراء، لم يكن هذا العقاب ليحكم به . لكن السناتور تشارلز جرسالي تدخل بشكل معمق في القضية.
في يونيو، جراء تغطية وسائل الإعلام الأميركية هذه القضية بكثافة، اصدر المدعي العام الفيدرالي في دي موين لائحة اتهام ضد هان. وجاء في حيثيات الدعوى أن السلوك غير المناسب للمتهم بدأ في عام 2008، عندما كان هان لا يزال يعمل في جامعة "كيس ويسترن ريزيرف" في كليفلاند، في مختبر البروفسور مايكل تشو، في الفريق الذي أجرى تجارب على لقاح فيروس نقص المناعة البشرية - HIV ، على نموذج حيواني (الأرانب).
وبحسب الادعاء، حتى بعد أن كشف خطأه بنفسه، وتفسيره لما حدث كـ "حادث "، تابع بتزييف نتائج هذه التجارب وهذا كله من أجل تجنب تخييب امال رئيسه ومعلمه، البروفيسور تشو.
وقد غطى الإعلام "نجاح" التجربة التي أدت باللقاح للأرانب بتطوير الأجسام المضادة لفيروس نقص المناعة البشرية - ما اعتبر اختراقا كبيرا في عمل نظام المناعة البشري ضد الإيدز - حيث كان المجتمع العلمي "منفعل جدا من أنه قريبا جدا سوف يكون لدى الطب لقاح مضاد للإيدز ".
دفع هذا الإعلان جامعة ولاية ايوا في عام 2009، لتجنيد تشو وفريقه، بما في ذلك هان. واستمرت التجارب بتمويل من المعاهد الوطنية للصحة NIH. أما في يناير 2013، فقد وجد فريق من الباحثين في جامعة "هارفارد"، أن "النتائج الواعدة" لم تكن حقيقية، وأنه تم في مركب اللقاح الموجه للبشر خلط دم أرانب إضافة للأجسام المضادة البشرية.
تم وقف عمل العالم، وأحضرت القضية أمام هيئة محلفين كبرى. وقد وجد هان في فبراير 2015 مذنب بتهمتين جنائيتين، وذلك بتقديم طلب للحصول هبات بحث، شملت عمليا معلومات كاذبة خطيرة .حيث اعترف هان بجرمه في صفقة إدعاء.
وقد أشير في التقريرالذي ظهر عن العقاب في مجلة "نيتشر" ان القضية برمتها تثير القلق لعدد لا بأس به من الخبراء بشأن التعامل مع مختلف القضايا التي تنطوي على تصرفات غير لائقة في مجال العلوم. " ولكن عدد قليل من الباحثين ، معدودين ، أدينوا بدرجة جريمة ودرجة الأعمال الإجرامية في سياق عملهم العلمي، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم هم من تسببوا بأعمالهم السيئة بأكبر ضرر للعلم بشكل عام والسير المهنية لزملائهم ". حسبما ذكر التقرير.
" نحن نتعامل مع حالات تلقى صدى اعلامي كبير، لدرجة أننا فقدنا القدرة على رؤية الصورة الكاملة"، يقول نيكولاس ستانكو (Nicholas Steneck)، وهو خبير في قضايا النزاهة العلمية في جامعة ميشيغان في آن أربور.
وقد لقي تعقيبه على الفور ردا من قبل السيناتور غراسلي، الذي قال " أخشى من أن هناك العديد من الحالات التي لم ينتبه لها أحد ومرت هكذا من تحت الرادار العام".
عادة، فإن السلوكيات غير اللائقة ، وعدم النزاهة في البحث العلمي على مستوى الأكاديمي تنتهي بفقدان العلماء لوظائفهم عند اكتشاف تقصيرهم. في عام 2006، حكم على عالم وجد مذنب بنشر معلومات كاذبة وتحريف بيانات عند تقديم الطلب للحصول على منحة من المعاهد الوطنية للصحة NIH بالسجن لمدة عام . حتى قضية هان، كانت تلك أول حالة من حالات العقوبة الشديدة على مخالفات الأخلاقيات العلمية.