التقدم الطبي أغفل الطبيب نفسه
للأسف، فإن النظام الطبي، الذي كان تقدمه كما ذكرنا سريع جدا، لا يزال مترددا في تطبيق مبادئ الاهتمام بالعامل، بالممرضة التي تعمل تحت الضغط، مع عدم القدرة على تحليل معطيات فوق مستوى معين.

التقدم الهائل في مجال الطب يمكن توضيحه من خلال قصة حياة ووفاة السيد جوزيف مايستر، الذي ولد في عام 1876. وعندما كان في سن الـ 8 عضه كلب مسعور. وهذا يعني في تلك الأيام الموت المحقق. من غير الواضح كيف عرفت عائلته انه من المحتمل وجود علاج لهذا المرض لدى الكيميائي الفرنسي لويس باستير.
بعد اليأس والإدراك من ان الصبي سوف يموت وبعد أن فشل العلاج "التقليدي" الذي تم فيه حرق مكان العضة توجهت العائلة لباستير، الذي لم يكن طبيبا ولم يسمح له بعلاج المرضى. لقد أجرى باستير ما يسمى اليوم بلسان القانون "العلاج الرحيم" أي علاج جديد من دون الحصول على تصاريح من قبل لجنة التجارب على بني البشر، العلاج الذي ليس واضحا ما إذا كان سيفيد وحتى قد يكون مضر ولكن يعطي حبل للنجاة من الغرق.
في النهاية نجح باستير من انتاج مصل مضعف للفيروس من الأرانب. ينبغي أن نتذكر أنه لم تكن في ذلك الحين مضادات حيوية. لم يكن يعرف أي شيء عن أنواع الدم. والتخدير بواسطة الإيثر عرف فقط قبل 40 عاما. الطفل جوزيف مايستر كان الأول في التاريخ الطبي الذي انقذ من الموت بواسطة الدواء. عند بلوغه تم تشغيله في معهد باستور في باريس، وعمل في الواقع هناك كرجل صيانة. عندما دخل النازيون باريس جاءوا إلى المعهد وطلبوا الدخول للتعرف على الأسرار المخزنة هناك. أحدى الروايات، والتي دحضت مؤخرا، هي أن جوزيف مايستر رفض إعطائهم المفاتيح وبعد أن هددوه بالمسدس، فتح باب المعهد ثم انتحر.
مؤخرا اتضح أنه في الواقع لم يستطيع تحمل الابتعاد عن عائلته التي رحلت من باريس ولذلك قام بالانتحار بواسطة استنشاق الغاز. عادت عائلته إلى باريس واكتشفت المصيبة. كان عمره 64 سنة عندما توفي.
عندما ولد، كما ذكرنا، لم يكن من الممكن إجراء فحص التصوير الشعاعي (بدأ الاستخدام السريري للأشعة السينية فقط في عام 1889)؛ نقل الدم لم يكن موجود لأن أنواع الدم وملائمة دم المتبرع للمتلقي اكتشفها لاندشتاينر فقط في عام 1912; من كان يصاب بمرض تلوثي لم يتلقى الأدوية المناسبة – البنسلين ظهر فقط في نهاية الحرب العالمية الثانية والمنتج الوحيد الذي كان متاح للأطباء لمكافحة التلوث انتج في المختبرات في ألمانيا فقط في عام 1938 - عقاقير السلفا- Sulfonamide
تم اكتشاف سبب مرض السل فقط في عام 1882، في حين أن سبب مرض الزهري (Syphilis) لم يتم اكتشافه إلا في عام 1905. الدواء، الذي عالج وأيضا تسبب في أضرار، والذي يدعى "سلبرسن- Salvarsan" تم اكتشافه من قبل بول إرليخ في عام 1906; جهاز التسجيل الكهربائي لوظائف القلب، جهاز تخطيط القلب، بدأ يعمل في عام 1912 في غرف العمليات. حينها كانوا يخففون الألم بواسطة الإيثر والكلوروفورم وكان معدل الوفيات الناجمة عن العمليات الجراحية مرتفع جدا. بدأ استخدام القفازات المطاطية لحماية الأطباء والممرضين في عام 1890 وذلك ليس لأهمية الحرص على النظافة ولكن لأن رئيسة الممرضات في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور عانت من مرض جلدي شديد بسبب غسل اليدين لفترة طويلة الذي كان متبع في تلك الأيام. في الواقع، فإن الطبيب كان يمنح المرضى الكثير من التعاطف.
بعد 60 عام من وفاة جوزيف مايستر، أي بين الاعوام 1940 و 2000 فان مجال الطب تقدم بشكل غير مسبوق. طالب الطب الذي يتخرج اليوم قد يتخلف عن ركب التقدم العلمي إن لم يتابع يوميا ما ينشر في الأدبيات الطبية والمؤلفات العلمية، ومن الممكن أن هذه المهمة تفوق قدرة الطبيب الفعال. العمليات الجراحية التي كانت مقبولة قبل حوالي عشر سنوات اكتشف انها غير ضرورية بتاتا - جراحة بسبب نزيف القرحة يتم علاجها الآن بواسطة المضادات الحيوية. إزالة الحصى من المثانة دون عملية جراحية أو بواسطة استخدام أمواج الصدى أو أمواج الصوت.
من لم يحظى بتقدم في المجال الطبي طوال هذه السنوات هم العاملون في هذا المجال، أولئك الذين يحتاجون للحاق بسرعة بركب التقدم مع عدم قدرتهم على ذلك؛ حاجتهم للنوم وراحة الطاقم الطبي، الاستبدال العاجل لكل من يقوم بعمل طبي متواتر.
طوال كل هذه السنوات، منذ اكتشاف إمكانية علاج الطفل الذي تعرض للعض وحتى الامكانيات المتاحة اليوم للطبيب، كان هناك أيضا تطور أسرع بكثير - نظريا وتكنولوجيا – في قدرة العلم على قتل الناس. في زمن باستير كان هناك بالفعل بنادق ومسدسات ومدافع ولكن قوتها كانت قليلة ومداها محدود. في أقل من قرن من الزمان وضع الباحثون والعلماء بيد السياسيين قنبلة فتاكة التي يمكن أن تقتل بلحظة واحدة عدد يفوق بكثير عدد الناس الذي تمكن الطب من إنقاذهم خلال هذه سنوات.
أنظمة قتل البشر نجحت أيضا في دمج العلوم السلوكية وانتبهوا لمحدودية القدرة البشرية، للاحتياجات الخاصة للمقاتلين (الملابس المناسبة، ملائمة معدات القتال لقدرة المحارب، وسائل للحماية من الشظايا، وسائل للرؤية الليلية، الغذاء الملائم، تغير منتظم لمشغلات أجهزة الرادار، الخ) . كل هذه التطورات لم تصل الى بوابات العيادات والمستشفيات.
وللأسف، فإن النظام الطبي، الذي كان تقدمه كما ذكرنا سريع جدا، لا يزال مترددا في تطبيق مبادئ الاهتمام بالعامل، بالممرضة التي تعمل تحت الضغط، مع عدم القدرة على تحليل معطيات فوق مستوى معين. العديد من الدراسات تطرقت الى العلاقة بين العامل والآلة، بين شاشة الكمبيوتر والشخص الجالس أمامها. مثل هذه الدراسات غير موجودة في الأدبيات الطبية.
الباحثون (الذي يجب عليهم النشر) يركزون وبحق على ال"جوهر": مبنى الخلية، دواء جديد (الذي يمكن أن يدر الكثير من المال على المخترع) وكل ما من شأنه أن يحقق الفوز بجائزة. القليلون كرسوا الوقت للتفكير في القضايا التي بدت هامشية. إلا انه في الآونة الأخيرة، وبسبب وباء الحوادث الطبية، بدئوا الاهتمام أيضا في النظم غير المعدة للقتل والتدمير، بأهمية قيمة من كان مهمل حتى الآن: الانسان المعالج.
في نظم تطوير الأسلحة والنظم العسكرية يتم توظيف مهندسين متخصصين في الهندسة البشرية، سلامة وتحسين النظم لأغراض ملاءمتها للمشغل. الشركات التي تصنع الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر لا تسوقها الا بعد أن تفحص ملاءمة المنتجات، ولكن في عدد قليل من المستشفيات في العالم يمكن العثور على شخص متخصص في الهندسة البشرية الذي يعمل بوظيفة كاملة، والذي يكون مسئول عن ملاءمة مكان العمل وأدوات العمل للقدرات البشرية.