اكتشاف جين يؤدي لعملية بيولوجية في الدماغ يرتبط بتطور مرض انفصام الشخصية
التغييرات في الجين الذي اكتشف تؤدي إلى النشاط المفرط لعملية "تشذيب نقاط الاتصال العصبي" في الدماغ في سن البلوغ

كشف فريق أمريكي من الباحثين في الأسبوع الماضي في طبعة الانترنت من مجلة نيتشر-nature أن البعد البيولوجي من وراء الفصام. وفقا للتقرير، وجد المحققون الجينات التي قد تزيد من خطر تعرض الشخص لتطوير مرض انفصام الشخصية (Schizophrenia).
وأفاد الباحثون أن المخاطر مرتبطة بالعملية الطبيعية التي تسمى " تشذيب نقاط الإتصال العصبي"، التي ضعفت أو وصلات زائدة بين الخلايا العصبية مع التقدم في العمر خلال الشباب والمراهقة، وبداية سن البلوغ، يحدث هذا النشاط في المقام الأول في الدماغ حيث يتركز النشاط في التفكير ومهارات التخطيط- قشرة الفص الجبهي (prefrontal cortex).
وفقا للبحث فإن الأشخاص الذين يحملون الجينات التي تؤدي إلى تسارع أو كثافة عملية "التشذيب" معرضون للخطر المتزايد من الإصابة بمرض انفصام الشخصية مقارنة بأولئك الذين ليس لديهم هذه الجينات.
وأفاد الباحثون أن المخاطر مرتبطة بالعملية الطبيعية التي تسمى " تشذيب نقاط الإتصال العصبي"، التي تضعف أو تنفصل فيها الوصلات بين الخلايا العصبية مع التقدم في السن.
الشكوك حول مرحلة "التشذيب" طرحت في الماضي ببعض الدراسات السابقة. أظهرت هذه الدراسات أنه في منطقة الجبهة الأمامية هنالك ميل إلى انخفاض الوصلات العصبية - مقارنة بالوضع لدى الناس الذين لم يصابوا بالفصام. تدعم هذه الدراسة الجديدة هذه الحجج، وتصف كيف أنه على الأرجح تتشوش عملية "التشذيب".
وقال أستاذ الطب النفسي صموئيل برونديس (Samuel A. Rose) من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو لـ" "نيويورك تايمز" أن الدراسة" تبدو مقنعة للغاية ". ووفقا له، هذه خطوة واحدة فقط على الطريق لفهم السر من وراء هذا الاضطراب النفسيي، الذي يشمل حاليا نحو مليوني أمريكي. وأضاف أن الاكتشاف قد يؤدي إلى تحسين العلاجات المستقبلية المقدمة للمرضى الذين يعانون من هذا المرض.
أعد الدراسة علماء من كلية الطب في جامعة هارفارد، ومعهد أبحاث مستشفى الأطفال في بوسطن وأيضا معهد الأبحاث (برود) المرتبط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
بدأت الدراسة من خلال التركيز على قاعدة بيانات الجين البشري معقد التوافق النسيجي الكبير major histocompatibility complex) MHC)، والذي اعتبر في دراسات سابقة انه على علاقة وثيقة بالفصام. هذه المنطقة تحمل "ماضيا مظلما معروفا" قال الدكتور إيريك لاندر من معهد برود، وهو أحد الباحثين. وفي هذه المنطقة هناك جينات تحفز الاستجابة المناعية للجسم ضد الجراثيم الغازية، على سبيل المثال. وتعزز هذه الميزة التقدير أن الفصام قد يكون نوع من حالة المناعة الذاتية التي يهاجم فيها الجسم خلايا الأنسجة الخاصة بها.
وقال البروفيسور ستيفن ماككورل (Steven A. McCarroll)، خبير وراثي من "هارفارد" ، والذي كان رئيسا لفريق البحث أن استخدام الأساليب الإحصائية المتقدمة هو أن الموقع MHC يحتوي على أربعة أنواع شائعة من جين C4، والتي تنتج نوعين من البروتينات: C4-A و C4-B.
أجرى فريق البحث تحليل جينوم لأكثر من 64 ألف شخص (إضافة إلى 37 ألف في مجموعة السيطرة، من 30 دولة مختلفة) ووجد كذلك انه في أوساط المصابين بالفطام هنالك ميل عالي إلى أشكال الإفراط في النشاط لـ C4، مقارنة مع مجموعة السيطرة. "يبدو أن C4، والذي هو جزء من مكونات جهاز المناعة، هو الجين الذي يشكل القوة الدافعة من وراء خطر الإصابة بانفصام الشخصية"، أوضح رئيس فريق البحث.
تمت المرحلة التالية من البحث بمساعدة البروفيسور بيث ستيفنز (Beth Stevens)، وهي متخصصة في علم الأعصاب في جامعة هارفارد "ومستشفى بوسطن للأطفال، والتي كتبت دراسة في عام 2007 وأظهرت أن الجينات في منطقة MHC تنخرط بـ "تشذيب نقاط الاتصال العصبي" في الأدمغة العادية.
اتضح في مختبر البروفيسور ستيفنز أن الفئران التي ولدت بدون الجينات التي تنتج بروتينات C4 أظهرت بوضوح أنه حدث تشويش حاد في تشذيب نقاط الاتصال العصبي الطبيعية. "هذه الأدلة تثبت الحجة القائلة بأن الكثير من بروتينات C4 تؤدي إلى مرحلة حرجة من تطور الجسم"، أشارت البروفيسورة ستيفنز. هذا هو الوضع الذي يمكن أن يفسر لماذا نشهد طبقات أرق من سمك أنسجة المخ في منطقة ما قبل الأمامية لدى مرضى الفصام.
أيضا، يرى الباحثون في هذا تفسير لماذا نلحظ الخلل في بدايته لدى المراهقين أو الأشخاص في أوائل سنوات العشرين من حياتهم.
وقال الباحثون أن حمل هذا النوع من الجين بشكل خاص والذي يمهد الطريق لعملية التشذيب العدوانية لا يمكن أن يعتبر وحده سبب لمرض انفصام الشخصية. وهناك عوامل أخرى تشارك في العملية التي اكتشفت. وجود نفس النوع، يفترض الباحثون، يزيد من خطر الإصابة بنسبة 25٪ فوق نسب القاعدة 1٪ لتطوير الفصام - بالتالي لـ 1.25٪. مثل هذا المعدل، قدروا، لا يبرر إجراء دراسة استقصائية بين عامة السكان.
بالنسبة للشباب الذين وجدوا ضمن فئة خطر تطوير الاضطراب النفسي فإن الإحصائية تتغير. وهي تظهر العلامات المبكرة مثل الانخفاض المفاجئ، الحاد في الذاكرة والحدة العقلية و "سماع أصوات داخلية". هذا الجزء من مرحلة تطوير الخلل قد يستمر لمدة سنة أو أكثر ولا يؤدي إلى التعبير الكامل عن مرض انفصام الشخصية.
أعرب واضعو البحث عن أملهم في أن النتائج حول الأشخاص مع صورة او بروفايل وراثي لتطوير الخلل - وخصوصا عندما تنضج انعكاساته - ستؤدي إلى اكتشاف المؤشرات الحيوية التي تساعد على توضيح التشخيص لدى هؤلاء الأشخاص، وربما تطوير أدوية جديدة لإبطاء مرحلة التشذيب.