السؤال حول العلاج الدوائي الذي يقي من السرطان أمر لا مفر منه

السؤال حول العلاج الدوائي الذي يقي من السرطان أمر لا مفر منه

برعاية sponsered by

في الكتاب الأول في سلسلة شيرلوك هولمز التي كتبها آرثر كونان دويل، "التحقيق الثاني" سنة 1887, يكشف هولمز لوطسون، أن سر نجاحه يكمن في قدرته على "النظر للوراء " (reason backwards). عندما أصبح السرطان السبب رقم واحد للموت، عندما تمكنت الأدوية من اطالة الحياة ولكنها لم تستطع ان تشفي من السرطان النقيلي، وعندما يكون ثمن العلاج هو الأثر الجانبي الأكثر أهمية للأدوية الجديدة - حان الوقت لتحسين نقطة البداية.

"كطبيبة في مجال علم الأورام ... حتى اليوم لم أشعر أن هناك ضوء أخضر لوصف الأدوية للحد من الخطر"

في نواح كثيرة، السرطان هو مرض الذي يمكن الوقاية منه، وتشير التقديرات إلى أن حوالي نصف حالات السرطان يمكن منعها أو تشخيصها في وقت مبكر. في فبراير من هذا العام نشرت الوكالة الدولية لبحوث السرطان (IACR) تقرير الذي ناقش الجوانب المختلفة لمرض السرطان، مع التركيز بشكل خاص على تأثير نمط الحياة على تطور السرطان (1); في مقال الذي نشر في مجلة JAMA سنة -2013 (2) تظهر التغذية في أعلى قائمة الـ 17 عامل لخطر الوفاة والاعاقة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ذلك، التدخين والسمنة، اثنين من عوامل الخطر العكسيه، المسؤولة عن ما يقرب من 20٪ من الوفيات الناجمة عن السرطان، على التوالي، وفقا لجمعية السرطان الأمريكية- American Cancer Society.

هناك توافق في الآراء بشأن الخطوات السبع التي تقلل من مخاطر الإصابة بالسرطان، التي أوصت بها الجمعية الأمريكية للسرطان: الإقلاع عن التدخين، تجنب زيادة الوزن، الحد من شرب الكحول، الحماية من أشعة الشمس, اتباع نظام غذائي غني بالفواكه والخضروات, ممارسة الرياضة والتشخيص المبكر. المشكلة الرئيسية اليوم هي عدم الامتثال للتوصيات. أيا من التوجيهات لم تؤدي الى تغيير كبير في سلوك السكان: حوالي 20٪ من السكان يدخنون والبدانة اصبحت وباء عالمي.

الهدف - الوقاية من السرطان - من الصعب تحقيقه بسبب الصعوبة لدى الفرد في تغيير أنماط الحياة، مسألة الدواء الوقائي (الوقاية الكيماوية - chemoprevention) هي أمر لا مفر منه. على وجه الدقة، العلاج الدوائي يحد من المخاطر، لأن المنع التام لحدوث السرطان ما يزال غير ممكن.

للأسبرين أفضلية في الحد من خطر الإصابة بالسرطان منذ سنوات، ولكنه لم يتم استخدامه لهذا الغرض بسبب الأضرار التي قد تنجم عن استخدامه لفترة طويلة. مقال المسح الشامل حول الفائدة مقابل الضرر من استخدام الأسبرين كوسيلة للحد من خطر الاصابة بالسرطان نشر في 5 آب في دورية Annals of Oncology. حيث تم جمع معلومات من مقالات التي نشرت في السنوات الأخيرة، ومن مقالات أصلية التي فحصت استعمال الأسبرين لفترة طويلة. كمقياس للمقارنة تم اختيارالإصابة والوفيات الناجمة عن السرطان في المملكة المتحدة في عام 2008.

"الجديد من استنتاجات هذا الاستعراض، هو أن الفائدة المترتبة على الاستخدام الطويل للأسبرين تفوق الضرر"

في هذه الدراسة تم فحص نسبة الفائدة - الضرر لاستخدام الأسبرين بدءا من سن 50 إلى سن 65 لمدة عشر سنوات. وأجريت العمليات الحسابية بشكل منفصل بالنسبة للرجال والنساء. وكانت فرضيات الدراسة، ان الحماية من السرطان والوفيات من السرطان تبدأ قبل ثلاث وخمس سنوات من بدء الاستخدام، على التوالي، وتستمر لعقد من الزمن بعد التوقف عن أخذ الأسبرين. التأثير الوقائي للأسبرين قائم بالنسبة لسرطان القولون, المريء, المعدة, الثدي, البروستاتا والرئة. هذه الافتراضات تعتمد، بطبيعة الحال، على النتائج من الدراسات السابقة.

الجديد في استنتاجات هذا الاستعراض، هو أن الفوائد المترتبة على استمرار استخدام الأسبرين تفوق الضرر. النتائج تتحدث عن نفسها: في مجموعة السكان التي لم تكن معرضه لزيادة خطر الاصابة بالسرطان، فان استخدام الأسبرين من سن 50-65 لمدة 10 سنوات، يقلل من الخطر النسبي (relative risk) للإصابة بالسرطان، احتشاء عضلة القلب أو السكتة الدماغية بنسبة تتراوح بين 7- 9٪، وخطر حدوث الموت بنسبة 4٪ لمدة 20 عاما.

الحد من مخاطر السرطان تشكل الجزء الأكبر من الفائدة الكلية للأسبرين: 60-80٪. ليس من المستغرب، بان سرطان القولون يشكل حوالي الثلث من جميع الفوائد المذكورة أعلاه، مع انخفاض بنسبة 30-35٪ في خطر الاصابة بسرطان القولون وانخفاض قدره٪ 35-40 في الوفيات بسببه. ومن المثير للاهتمام، ان هناك تأثير وقائي لأخذ الأسبرين أيضا بالنسبة للأورام الأخرى في الجهاز الهضمي. على سبيل المثال، انخفاض حوالي 25-30٪ بنسبة خطر سرطان المريء أو المعدة وانخفاض يصل إلى 50٪ في مخاطر الوفاة من سرطان المريء و- 40٪ في نسب الوفاة من سرطان المعدة.

في الدراسات الاستعراضية التي شملها المسح، فان التأثير الوقائي ضد السرطان يظهر بدءا من السنة الثالثة لاستخدام الأسبرين ونسبة الوفيات من السرطان تقل بعد خمس سنوات من بدء استخدام الأسبرين وتستمر لسنوات. هذه الاستنتاجات يمكن أيضا ملاحظتها من دراسات رصدية (observational) خاصة بالنسبة لسرطان القولون. هناك فائدة من الاستخدام المزمن, اليومي بجرعة منخفضة من 75 ملغ أو أكثر. وقد لوحظت الفائدة في الرجال والنساء على حد سواء.

"هل الأشخاص الأصحاء يجب اقناعهم بأن يأخذوا الأسبرين للوقاية من السرطان؟ هذا يعتمد على المخاطر الفردية للإصابة بالسرطان وعوامل الخطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية"

دون أدنى شك، الآثار الجانبية الأكثر أهمية الناتجة عن استخدام الأسبرين هي حدوث النزيف داخل الدماغ. ويعتقد أن استخدام الأسبرين المزمن يزيد من نسبة الحدوث (خطر أساسي يصل الى 0.03٪) بنحو 30٪ سنويا. خطر أكثر شيوعا ولكنه أقل خطورة هو النزيف خارج المخ، وخاصة في الجهاز الهضمي. الأسبرين يزيد من الخطر النسبي للنزيف الحاد بنحو 30-70٪ (خطر أساسي يصل الى 0.7٪) سنويا. ولكن، خطر حدوث النزيف المهدد للحياة لا يزيد بشكل حاد إلا بعد سن 70. تحت سن الـ 70 احتمال حدوث النزيف المهدد للحياة منخفض جدا.

وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من النتائج المقنعة للفائدة مقابل الضرر، فالباحثون لم يخرجوا بتوصية قاطعة تفيد بأخذ الأسبرين للتقليل من مخاطر الاصابة بالسرطان.

كطبيبة في مجال علم الأورام فعلاجي للمريض لا ينتهي مع نهاية العلاج النشط وانما يستمر بعد ذلك لسنوات من المتابعة في العيادة. تركز فحوص المتابعة على اكتشاف عودة المرض أو التشخيص المبكر للأورام الخبيثة الأخرى. لهدف الحد من كليهما، فأنا أحرص على إرشاد المرضى باتباع نمط حياة صحي. ولكن حتى يومنا هذا لم أشعر أن هناك ضوء أخضر لوصف الأدوية لتقليل المخاطر.

في المجلات الرائدة يتم نشر مقالات في السنوات الأخيرة حول موضوع الحد من المخاطر الاولية والثانوية بواسطة مستحضرات مختلفة، بما في ذلك أيضا الأسبرين. وعلى الرغم من هذه التقارير، فلا يوجد إجماع بالنسبة لاستخدام الأدوية للحد من خطر الاصابة بالسرطان، ليس فقط بسبب النتائج المتضاربة، ولكن بالأساس بسبب الخوف من الآثار الجانبية أو الضرر المتراكم من الاستخدام المستمر. المقارنة مع الأدوية التي تعطى لعلاج بعوامل الخطر القلبية الوعائية هي أمر لا مفر منه. ولكن، على عكس الأدوية التي تعطى للتقليل من مخاطر حدوث أمراض القلب والأوعية الدموية والتي يقاس مدى نجاحها خلال أيام أو أسابيع بانخفاض مستوى الدهون في الدم أو ضغط الدم، فانخفاض مخاطر تطور السرطان لا يتحقق إلا بعد سنوات من العلاج، ولا يمكن قياسه طوال فترة العلاج.

من المهم التأكيد على أن التوصيات لاستخدام الأسبرين حاليا في مجموعة السكان المعرضون بدرجة متوسطة لخطر الإصابة بالسرطان من أجل الحد من مخاطر الاصابة بالسرطان ليست موجودة في المبادئ التوجيهية لدى أي شركة أو مؤسسة أو وكالة. هل يتوقع تغيير هذه العملية؟

هل سيقتنع الأشخاص الأصحاء بأن يأخذوا الأسبرين للوقاية من سرطان؟ أعتقد أن الجواب على كلا السؤالين هو "الامر يتوقف على...". الأمر يتوقف على مستوى المخاطر الفردية للإصابة بالسرطان وبعوامل الخطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. كلما كان التوقع من فوائد الاستخدام أعلى فمن المتوقع بأن يكون الاحتمال أكبر بان يرى الفرد أهمية العلاج لفترة طويلة بالأسبرين. نظرا لفوائد الأسبرين التي عرضت في المقالة، فينبغي أن تثار مسألة استخدامه خاصة للمرضى الذين تتراوح أعمارهم بين 50-65 المعرضين للمخاطر، وحتى القليلة منها، للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية (3).

اليوم، كجزء من المبادئ التوجيهية NCCN Guidelines، يتم تصنيف السكان وفقا لخطر الإصابة بسرطان الأمعاء ولكن ليس لكل نوع من السرطان يوجد نموذج كهذا. طالما لا توجد مبادئ توجيهية، فدورنا كأطباء في علم الأورام النظر لكل حالة على حدة. هذا المقال هو معطى اضافي الذي يمكن إدخاله في المعادلة.

اذا الأسبرين، نعم أم لا؟ هو سؤال مبدئي، واتسون.

المصادر:

1. http://apps.who.int/bookorders/anglais/detart1.jsp?codlan=1&codcol=76&codcch=31

2.

US Burden of Disease Collaborators. The state of US health, 1990-2010: burden of diseases, injuries, and risk factors. JAMA. 2013 14;310(6):591-608.

3. Paikin JS, Eikelboom JW. Cardiology patient page: Aspirin. Circulation. 2012 13;125(10):

نشرت من قبل ويب طب - الأربعاء 8 نيسان 2015

آخر الأخبار